قلة الطعام توجب رقة القلب، وقوة الفهم، وانكسار النفس، وضعف الهوى والغضب، وكثرة الطعام توجد ضد ذلك.
عن المقدام بن مَعْدي كرِب قال: سمعتُ رسولَ الله يقول: «ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» [1].
وفضول الطعام داع إلى أنواع كثيرة من الشر، فإنه يحرك الجوارح إلى المعاصي، ويثقلها عن الطاعات والعبادات، وحسبك بهذين شرًّا، فكم من معصية جلبها الشبعُ وفضولُ الطعام، وكم من طاعة حال دونها، فمن وقى شرّ بطنه فقد وقى شرًّا عظيمًا، والشيطان أعظم ما يتحكم في الإنسان إذا ملأ بطنه من الطعام، ولهذا جاء في بعض الآثار: إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة.
وقال بعض السلف: كان شباب يتعبدون من بني إسرائيل، فإذا كان فطرهم قام عليهم قائم فقال: لا تأكلوا كثيرًا، فتشربوا كثيرًا، فتناموا كثيرًا فتخسروا كثيرًا.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يجوعون كثيرًا وإن كان ذلك لعدم وجود الطعام- إلا أن الله لا يختار لرسوله إلا أكمل الأحوال وأفضلها، ولهذا كان ابن عمر يتشبه به في ذلك مع قدرته على الطعام، وكذلك كان أبوه من قبله.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من خبز بُرٍ ثلاث ليال تباعًا حتى قبض [2].
قال إبراهيم بن أدهم: من ضبط بطنه ضبط دينه، ومن ملك جوعه ملك الأخلاق الصالحة، وإن معصية الله بعيدة من الجائع قريبة من الشبعان.
-------------------
[1] رواه الترمذي (9/ 244) الزهد وقال: هذا حديث حسن صحيح وابن ماجه (3349) الأطعمة، والحاكم (4/ 121) وصححه ووافقه الذهبي والألباني.
[2] رواه البخاري (11/ 282) الرقاق، ومسلم (18/ 105، 106) الزهد.
الكاتب: د: أحمد فريد.
المصدر: موقع رسالة الإسلام.